....................................
................................................
...........................................
- لا تنسي أن تخفض صوت الحاسوب
هز رأسه بمعني حسناً وأغلقت والدته باب حجرته ... إنه يعلم أنه شخصية منطوية .. يقضي مع حاسوبه أكثر مما يقضي مع البشر .. يعلم أنه غريب الأطوار في نظر والدته .. ولكن ما المشكلة في هذا .. فهو في نظر الكل غريب الأطوار منطوي ..
تأمل شاشة الحاسوب .. وتنهد .. لماذا يشعر بخفقان في قلبه بشدة ولماذا هذا الحزن الشفاف المرهف .. وتحرك بمقعده الخشبي للأمام والخلف كأنه يتأرجح .. ومن السماعة خرج صوت فيروز العزيزة .. يشدو
" طيري يا طيارة .. يا روق و خيطان
بدي أرجع بنت صغيرة علي سطح الجيران ..
***
سطح الجيران .. نعم له جيران .. لكنهم صامتون .. كثيراً ما يراها بجسدها الرقيق .. وشعرها الأسود المنسدل الطويل .. وعينيها الشاردتان .. إنه يذكر يوم رآها فوق السطح .. سطح منزلها وشعرها المعقوص بعناية تحركه النسائم كأنها لم تستطيع مقاومة فكرة عدم مداعبته .. ويذكر عيناها اللامعتان كحجرا الأبنوس الأسود .
كانت كبيرة نعم تكبره بعدة سنوات .. مخطوبة يري الخاتم الذهبي بيديها .. كيف لا تخطب هذه الشفافة .. فإن كان أمثالها لا يخطبون .. فمن يخطب إذاً ..
" ينساني الزمان علي سطح الجيران
علي فوق سطوح بعاد ..
أخدوني معاهم وردوني الطفولة
***
كان يعلم أنها لا تراه سوي صبي رقيق هادي وهو كان يراها كأنصاف الآلهة .. ولكم جلس ليلا يتخيل أنه أمير إغريقي في عصر سادة الاوليمب .. وأنها تحولت لأفروديت . بالله كان يراها أجمل من أفروديت نفسها ..
يتخيل أنه يسير معها يقطف لها أجمل الورود تضعها بشعرها الجميل المنسدل .. يحبه منسدلاً .. لكم تمني منها أن تتركه منسدلاً..
أمه تقول إنها كانت تحمله وهو صغير ..
لكنه لا يغضب عندما يسمع هذا بل يحسد نفسه .. لقد كان بين يديها الرقيقتان ..
أمه كانت تقول أيضا انه كان متعلقاً بها !
بالتأكيد ومن هذا الأحمق الذي لا يتعلق بهذه النقية !..
كان يري نفسه يهرب معها .. يضحكان يلعبان .. ويلتقيان العمران عمره وعمرها
" لو فينا نهرب ونطير مع ها الورق الطاير .. لنكبر باعد بكير شو صاير شو صاير .. يا زهر الرمان ميل بها البستان .. لا يتسلو صغار الأرض ويحلو الزمان .."
كانت تطلب منه أشياء بسيطة لكنه كان يتفنن في تنفيذها .. تذكر عندما طلبت منه كيس صابون وأعطته عشر جنيهات ..
ظن انه لو أحضر لها الكثير منها ستكون فخورة به !
وأبتاع بالعشرة جنيهات أكياس صابون .. عشرون كيس .. ثقيلي الوزن ..
وسقط وسقطت معه الأكياس وجرحت ركبته .. ودمعت عيناه .. ولم يقلق من العقاب حزن فقط لأنه فشل .. في إسعادها .. لكن الغريب إنها منحته ابتسامة .. ودافعت عنه دون ضرب أمه ومنحته قبلة وضمدت جرحه !
تحسس موضع القبلة .. قبلته منذُ عامان .. لكنه .. لم يدع أحد يلمس مكان قبلتها قط ..
كانت تذاكر له في بعض الأحيان يحب صوتها في قراءة الشعر .. وصوت فيروز المنبعث من المسجل لديها دائماً ..
لذلك عشق فيروز .. وعشق كل ما تعشق .. وكره كل ما تمقت ..
" ضحكات الصبيان .. وأماني زمان
ردتلي كتبي ومدرستي والعمر إلي كان ..
ينساني الزمان علي سطح الجيران ..
***
سطح الجيران لكم يتمني المبيت فيه للأبد .. أمه تقول أنها مسكينة .. ولم يفهم قط لما مسكينة .. وعلي بعد خطوات هناك قلب يحبها بجنون ..
الغريب انه لم يشعر بالغيرة من خطيبها قط كان يري فيه مظهر من مظاهر سعادتها .. وهو كان يعشق سعادتها بكل شكل وبأي شكل ..
وتحسس قلبه .. ألم غريب لعله ألم الحب ..
كانت تعلمه أشياء جميلة عن الدين
كانت تقول له يحشر المرء مع من أحب ..
فهل يحشر معها يا الله علي السعادة شكراً لك يا إلهي الكريم لكم أنت رحيم بنا كريم علينا
ومن يومها لم يغفل فرضاً قط .. وفي كل فرض يدعوا الله أن يحشره معها مع من أحب ..لما لم يخبرها بحبه قط .. ربما لأنه لا يعرف كيف يحبها .. ولا يفهم كيف يعبر عن هذا الحب تأمل الشرفة المغلقة وقرر الخروج والنظر إليها ...
وقطع صوت أفكاره .. صوت بكاء .. غريب من أين يأتي هذا الصوت .. أرهف أذنيه .. أنه أتي من منزلها تري هل هي من تبكي .. فتح باب شرفته الجو عاصف وأمه حذرته من الخروج بملابس خفيفة في مثل هذا الجو لأن صحته لن تتحمل لكن لا يهم لتذهب صحته للجحيم ..
أقترب من شرفتها أكثر وأرهف السمع .. لا ليس صوتها أنه صوت أمها العجوز ما هذا الصراخ الغريب .. أه أنه متعب بحق .. أنه يري محبوبته .. وجهها شاحب .. إنها تشير إليه .. وتركض ما بها يا تري .. ولكنه كان سعيد ويشعر انه بخير صحة ونشاط غريب دب في جسده.. إن أمه تصرخ .. وهي محبوبته تضمه يا الله أنها تضمه .. أكثر أكثر ضميني أكثر وقبليني .. لماذا تبكين هكذا .. وأراد أن يمسح دموعها ومد يديه يمسحها بالفعل لكنه فجأة وجدها تبتسم ... يا الله إنه معها يقطف لها وردة .. بيضاء ويضعها بشعرها الأسود الجميل ... إنه سعيد .. فلو مات الآن .. لكان أسعد ميت بالعالم .!
***
ومن بعيد جاء صوت فيروز
" طيري يا طيارة يا ورق وخيطان
بدي أرجع بنت صغيرة علي سطح الجيران
ينساني الزمان علي سطح الجيران "